التاريخ

الدولة السلجوقية

الدولة السلجوقية

نشأت الدولة السلجوقية على يدي”طغرل بك” بعدما نجح السلاجقة في إقامة دولة قوية في خراسان وبلاد ما وراء النهر، وأعلنوا تبعيتهم للخلافة العباسية، ثم توسعت وسيطرت على إيران والعراق، وغدت أكبر قوة في العالم الإسلامي.

ألب أرسلان” والمشاكل الداخلية

توفى”طغرل بك” دون أن يترك ولداً يخلفه على سدة الحكم، فشبَّ صراع على الحكم، حسمه ابن أخيه “ألب أرسلان” لصالحه وساعده وزيره “نظام الملك” المعروف بالذكاء والقوة وتنوع الثقافة. وكان “محمد بن جغري بك داود التركماني” الذي عُرف باسم “ألب أرسلان” ومعناها الأسد الباسل باللغة التركية، قائد ماهر وفارس شجاع، نشأ في خراسان حيث كان والده حاكماً عليها، وأسندت إليه قيادة الجيوش في سن مبكرة فأظهر شجاعة نادرة في كل المعارك التي خاضها، وبعد وفاة أبيه تولى إمارة خراسان خلفاً لوالده، وكانت كل هذه السوابق تؤيد حكمه للبلاد.
ولم تسلم الفترة الأولى من عهده من الفتن والثورات سواء من ولاته، أو من بعض أمراء البيت الحاكم، فقضى على فتنة ابن عم أبيه “شهاب الدولة” وكانت فتنة هائلة كادت تقضي على “ألب أرسلان” بعد أن استولى على العاصمة “الري” وأعلن نفسه سلطاناً. وأحبط كذلك محاولة عمه “بيغو” للاستقلال بأحد أقاليم الدولة، وبعد سنوات من العمل الجاد نجح في المحافظة على ممتلكات دولته وتوسيع حدودها ودانت له الأقاليم بالسمع والطاعة، وأخمدت الفتن والثورات، وتصاعد نفوذه حتى قويت دولته مما شجعه على التفكير في تأمين حدود دولته ضد غارات الروم.

فتح بلاد الروم:

اطمأن “أرسلان” إلى جبهته الداخلية المستقرة فبدأ يتطلع إلى ضم المناطق النصرانية المجاورة له؛ بهدف نشر الإسلام فيها، فأعدّ جيشاً بلغ أربعين ألف جندي، وتمكن به من فتح بلاد الأرمن وجورجيا والأجزاء المطلة على بلاد الروم، وكانت لهذه لفتوحات أثرها على قيصر الروم، الذي أدرك أن بلاده معرضة للهجوم، والقتال وشيك لا محالة؛ فخرج على رأس جيش كبير لمواجهة السلاجقة، واستولى على حلب، وكان حاكمها يتبع الخليفة الفاطمي في مصر. فطِن “ألب أرسلان” إلى محاولات القيصر فبعث ابنه “ملكشاه” لاسترداد حلب من الروح وتأمين الأجزاء الشمالية لبلاد الشام، فنجح في مهمته، واستولى على حلب وضم القدس أيضاً، وأجزاء من بلاد الشام.

موقعة ملاذ كرد

قام “أرسلان” بحملة كبيرة ضد الأقاليم النصرانية المجاورة لحدود دولته، وقاد جيشه نحو جنوب أذريبجان، واتجه غرباً لفتح المناطق المطلة على بلاد البيزنطيين، وانضم إليه أحد أمراء التركمان “طغتكين” الذي كان دائم الغارة على تلك المناطق، وفصل “أرسلان” أثناء زحفه إلى بلاد الكُرج، قوة عسكرية بقيادة ابنه ووزيره هاجمت حصوناً ومدناً بيزنطية، ويبدو أن ملك الكُرج هاله التوغل السلجوقي فهادنهم وصالحهم على دفع الجزية. ونتيجة لهذا أضحى الطريق مفتوحاً أمام السلاجقة للعبور إلى الأناضول بعد أن سيطروا على أرمينية. وبعد أن أدرك الإمبراطور البيزنطي أن “ألب أرسلان” يصبغ غزوه للبلاد بصبغة الجهاد الديني، ويطبع المناطق المفتوحة بالطابع الإسلامي جعل نشوب الحرب بينهم أمراً لا مفر منه.

عرض المصالحة مع ملك الروم

أرسل السلطان “ألب أرسلان” وفداً إلى إمبراطور الروم، وعرض عليه المصالحة، ولكنه تكبر وطغى ولم يقبل العرض، وقال: (هيهات!! لا هدنة ولا رجوع إلا بعد أن أفعل ببلاد الإسلام ما فُعِل ببلاد الروم)،
فحمي السلطان وشاط، وقال له إمامه ” أبو نصر محمد البخاري”:
إنك تقاتل عن دين، وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح، فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين

استعداد المسلمون للمعركة

أعد المسلمون العدة للمعركة الفاصلة واجتمع الجيشان يوم الخميس، فلما كان وقت الصلاة يوم الجمعة، صلى السلطان بجنوده ودعا الله وابتهل وبكى وتضرع، وقال لهم
نحن مع القوم تحت الناقض، وأريد أن أطرح نفسي عليهم في هذه الساعة التي يُدعى فيها لنا وللمسلمين على المنابر، فإما أن أبلغ الغرض وإما أن أمضي شهيداً إلى الجنة، فمَن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني، ومَن أحب أن ينصرف فليمضِ مصاحباً، فما هاهنا سلطان يأمر ولا عسكر يؤمر، فإنما أنا اليوم واحد منكم، وغازٍ معكم، فمَن تبعني ووهب نفسه لله تعالى فله الجنة أو الغنيمة، ومَن مضى حقت عليه النار والفضيحة
فقالوا: (مهما فعلت تبعناك فيه وأعناك عليه). فبادر ولبس البياض وتحنط استعداداً للموت، وقال: (إن قُتلت فهذا كفني).
ولما وقع الزحف بين الطرفين، نزل “أرسلان” عن فرسه ومرغ وجهه بالتراب وأظهر الخضوع والبكاء لله تعالى وأكثر من الدعاء، ثم ركب وحمل على الأعداء وصبر المسلمون وصابروا حتى زلزل الله الأعداء وقذف الرعب في قلوبهم، ونصر المسلمين عليهم، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا منهم جموعاً كبيرة، كان على رأسهم ملك الروم نفسه، وأُحضر إلى السلطان، وقال: ويلك ألم أبعث أطلب منك الهدنة؟ قال: دعني من التوبيخ. قال له السلطان: ما كان عزمك لو ظفرت بي؟ قال: كل قبيح. قال: فما تؤمَّلُ وتظُن بي؟ القتل أو تُشهّرني في بلادك، والثالثة بعيدة العفو وقبول الفداء. قال السلطان: ما عزمت على غيرها. واشترى نفسه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، وأطلق كل أسير مسلم في بلاده، وبعث السلطان مع الملك عدة، وأعطاه نفقة توصله. وأما الروم فبادروا وأخذوا ملك غيره، ولما شعر بزوال ملكه، لبس الصوف وترهب، وجمع ثلاثمائة ألف دينار، وبعث بها.

دور الوزير “نظام الملك”

ما كان للسلطان “ألب أرسلان” أن يحقق كل هذه الإنجازات بدون جهود وزيره، الذي لم يكن وزيراً لامعاً وسياسياً ماهراً فحسب، بل كان داعياً ومحباً للأدب والعلم، أنشأ المدارس المعروفة باسمه “المدارس النظامية”، وجذب إليها كبار الفقهاء والمحدثين، وفي مقدمتهم حجة الإسلام “أبو حامد الغزالي”.
موت الأسد الثائر:
ارتفع شأن “أرسلان” في الشرق الإسلامي والغرب المسيحي، وحقق شهرة واسعة هو ووزيره، غير أن السلطان لم يهنأ كثيراً بما حققه، ويواصل فتوحاته، فقد قُتِل بعد عام ونصف من موقعة ملاذ كرد على يد أحد الثائرين عليه، وخلفه ابنه “ملكشاه” صاحب الإنجازات العسكرية والحضارية.
ويُحكى أنه قال لما عاين الموت بعينه:
ما كنت قط في وجه قصدته ولا عدو أردته إلا توكلت على الله في أمري، وطلبت منه نصري، وأما في هذه النوبة، فإني أشرفت من تل عال، فرأيت عسكري في أجمل حال، فقلت في نفسي: أنا ملك الدنيا ما يقدر أحد عليّ، فعجّزني الله تعالى بأضعف خلقه، وأنا استغفر الله، وعلى القادة الحكام أن يستشعروا نعائم الله عليهم ويتذكروا فضله وإحسانه وينسبوا الفضل لله تعالى صاحب المن والإحسان والإكرام

السابق
طريقة تخزين الفاصوليا الخضراء
التالي
هل التسويق الهرمي فخ؟